الباب الخامس
القرار الإداري
موضوع القرار الإداري من أكثر المواضيع أهمية وحيوية في القانون الإداري ,
فهو الأسلوب الأكثر شيوعاً في أعمال الإدارة , ولا نظير له في مجال
القانون الخاص , فمن شأنه أحداث آثار قانونية على عاتق المخاطبين به دون
أن يتوقف ذلك على قبولهم .
وفي هذا الجزء من الدراسة نجد أنه من المناسب تمييز بين القرار الإداري
وأعمال الدولة الأخرى , ونبين أركانه أو عناصره وأنواعه والشروط اللازم
توافرها في القرار الإداري ليكون صحيحاً وسليماً من الناحية القانونية
وأخيراً نبحث في نهاية القرارات الإدارية.
وفي هذا السبيل سنقسم هذا الباب إلى :
الفصل الأول : تمييز القرار الإداري عن أعمال الدولة الأخرى .
الفصل الثاني : مفهوم وعناصر القرار الإداري .
الفصل الثالث : تصنيف القرارات الإدارية .
الفصل الرابع : النظام القانوني للقرارات الإدارية .
الفصل الخامس : نهاية القرارات الإدارية .
الفصل الأول
تمييز القرار الإداري عن أعمال الدولة الأخرى
تمارس الدولة وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ثلاث مهام أو وظائف هي الوظيفة
التشريعية والوظيفة القضائية والوظيفة التنفيذية , فالوظيفة التشريعية
تتضمن مهمة وضع القواعد السلوكية العامة والمجردة وتختص بممارستها السلطة
التشريعية , أما الوظيفة القضائية فتتضمن الفصل في المنازعات وتختص بها
السلطة القضائية .
أما الوظيفة لتنفيذية فتختص بها السلطة التنفيذية التي تمارس أعمال مختلفة
منها الأعمال المادية كبناء المنشآت العامة وتعبيد الطرق أو بناء الجسور ,
كما تصدر أعمالاً قانونية وهذه الأخيرة منها ما يصدر بإرادتها المنفردة
دون مشاركة الأفراد وهذه القرارات الإدارية , ومنها الأعمال القانونية
التعاقدية التي تصدر باتفاق أرادتين .
ومن ثم فإن تمييز القرار الإداري ليس بالأمر السهل , فالفصل بين السلطات لا
يعني الفصل التام إذ تقتصر كل هيئة على ممارسة وظيفة خاصة , إنما تمارس
بعض الأعمال الداخلة أصلا في نشاط الهيئات الأخرى . ( )
فالسلطة التشريعية تمارس عملاً إدارياً عندما تصدر الميزانية والسلطة
التنفيذية قد تفصل في خصومة عن طريق المجالس الإدارية ذات الاختصاص القضائي
, بينما يمارس القضاء بعض الاختصاصات الإدارية المتعلقة بموظفي الهيئات
القضائية فضلاً عن وظيفته الأصلية في الفصل في المنازعات .
لذلك كان من الواجب تمييز القرار الإداري عن أعمال السلطة التشريعية
والسلطة القضائية , ثم نبحث في تمييز القرار الإداري عن العمل المادي .
المبحث الأول
القرارات الإدارية والأعمال التشريعية
القرارات الإدارية تقبل الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري وعلى العكس من
ذلك فإن القوانين لا يمكن الطعن فيها إلا بالطريق الدستوري المقرر . ( )
ويتردد الفقه الحديث بين معيارين لتحديد صفة العمل تشريعية أم إدارية :
اولاً : المعيـار الشكلي :
وفقاً للمعيار الشكلي أو العضوي يتم الرجوع إلى الهيئة التي أصدرت العمل أو
الإجراءات التي اتبعت في إصداره دون النظر إلى موضوعه فإذا كان العمل
صادراً من السلطة التشريعية فهو عمل تشريعي , أما إذا كان صادراً من أحدى
الهيئات الإدارية بوصفها فرعاً من فروع السلطة التنفيذية فهو عمل إداري .
ومن ثم يمكن تعريف العمل الإداري وفق هذا المعيار بأنه كل عمل صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها .
فهذا المعيار يقف عند صفة القائم بالعمل دون أن يتعدى ذلك إلى طبيعة العمل
ذاته , وهو معيار سهل التطبيق لو التزمت كل سلطة بممارسة نشاطها وأخذت
بمبدأ الفصل التام بين السلطات , إلا أن طبيعة العمل تقتضي في أحيان كثيرة
وجد نوع من التداخل والتعاون بين السلطات مما دعى بالفقه إلى البحث عن
معيار آخر للتمييز بين القرارات الإدارية والأعمال التشريعية .
ثانياً : المعيـار الموضوعي :
يعتمد المعيار الموضوعي على طبيعة العمل وموضوعه بصرف النظر عن الجهة التي
أصدرته أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره فإذا تمثل العمل في قاعدة عامة
مجردة فأنشأ مركزاً قانونياً عاماً اعتبر عملاً تشريعياً أما إذا تجسد في
قرار فردي يخص فرداً أو أفراداً معينين بذواتهم فأنشأ مركزاً قانونياً
خاصاً اعتبر عملاً إدارياً . ( )
وينقد أنصار هذا الاتجاه المعيار الشكلي لأنه يقف عند الشكليات وعدم
الاهتمام بطبيعة العمل وجوهره , ويأتي في مقدمة أنصار الاتجاه الموضوعي
الفقيه دوجي وبونار وجيز .
ويؤمن هؤلاء الفقهاء بأن القانون يقوم على فكرتين أساسيتين هما فكرتا المراكز القانونية والأعمال القانونية : ( )
1. المراكز القانونية : وهي الحالة التي يوجد فيها الفرد أزاء القانون وتقسم إلى قسمين :
أ- المراكز القانونية العامة أو الموضوعية : وهو كل مركز يكون محتواه واحد
بالنسبة لطائفة معينة من الأفراد , فترسم حدوده ومعالمه قواعد مجردة
متماثلة لجميع من يشغلون هذا المركز ومثله مركز الموظف العام في القانون
العام والرجل المتزوج في القانون الخاص .
ب- المراكز القانونية الشخصية أو الفردية : وهي المراكز التي يحدد محتواها
بالنسبة لكل فرد على حده , وهي بهذا تختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن أن
يحدد القانون مقدماً هذه المراكز لأنها تتميز بـأنها خاصة وذاتية ومثله
مركز الدائن أو المدين في القانون الخاص ومركز المتعاقد مع الإدارة في
القانون العام .
2. الأعمال القانونية : وتمتاز بأنها متغيرة ومتطورة بحسب الحاجة ويتم هذا
التغيير أما بإرادة المشرع أو بإرادة شاغلها ويقسم " دوجي " هذه الأعمال
إلى ثلاثة أقسام :
أ- أعمال مشرعة : وهي كل عمل قانوني ينشئ أو يعدل أو يلغى مركزاً قانونياً
عاماً أو موضوعياً من هذه الأعمال القوانين المشرعة واللوائح والأنظمة ,
والتي تتضمن قواعد تنظيمية عامة وغير شخصية .
ب- أعمال شخصية أو ذاتية : وهي الأعمال القانونية التي تنشئ أو تتعلق
بمراكز شخصية لا يمكن تعديلها إلا بإرادة أطرافه وأوضح مثال على هذه
الأعمال العقود .
ج- أعمال شرطية : وهي الأعمال الصادرة بصدد فرد معين وتسند إليه مركزاً
عاماً , فهي تجسيد لقاعدة عامة على حالة أو واقعة فردية , ومثاله في
القانون العام قرار التعيين في وظيفة عامة , فهذا القرار يعد عملاً شرطياً
لأنه لا ينشئ للموظف مركزاً شخصياً , لأن هذا المركز كان قائماً وسابقاً
على قرارا التعيين .
وبهذا المعنى فإن العمل التشريعي عند " دوجي " هو الذي يتضمن قاعدة عامة
موضوعية " قوانين أو اللوائح " بغض النظر عن الهيئة أو الإجراءات المتبعة
لإصداره , في حين يعد إدارياً إذا اتسم بطابع الفردية وهذا يصدق على
القرارات والأعمال الفردية والأعمال الشرطية . ( )
ويبدو أن المشرع والقضاء الفرنسيان يأخذان بالمعيار الشكلي فالأصل أن لا
يقبل الطعن بالإلغاء ضد أعمال السلطة التشريعية سواء في القوانين أو
القرارات الصادرة من البرلمان , واعتمد المشرع على ذلك في الأمر الصادر في
31/7/1945 المنظم لمجلس الدولة, إذ نص على أن محل الطعن بسبب تجاوز السلطة
هو الأعمال الصادرة من السلطات الإدارية المختلفة .
إلا أن القضاء الفرنسي لجأ في بعض الحالات إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي
للتمييز بين الأعمال الإدارية والأعمال التشريعية قابلاً الطعن بالإلغاء في
أعمال البرلمان المتعلقة بتسيير الهيئة التشريعية كاللوائح الداخلية
للبرلمان والقرارات الصادرة بتعيين موظفيه , لا سيما بعد صدور الأمر
النظامي في 17/11/1958 الذي سمح لموظفي المجالس برفع المنازعات ذات الطابع
الفردي إلى القضاء الإداري . ( )
وهو الاتجاه الذي اعتمده القضاء الإداري المصري فهو وأن اعتمد المعيار
الشكلي قاعدة عامة في الكثير من أحكامه إلا انه اعتبر في أحكام أخرى
القرارات الصادرة من مجلس الشعب بإسقاط عضوية أحد أعضاءه عملاً إدارياً
يقبل الطعن فيه بالإلغاء . ( )
المبحث الثاني
القرارات الإدارية والأعمال القضائية
يشترك القضاء مع الإدارة في سعيهما الحثيث نحو تطبيق القانون وتنفيذه على
الحالات الفردية , فهما ينقلان حكم القانون من العمومية والتجريد إلى
الخصوصية والواقعية وذلك بتطبيقه على الحالات الفردية . ( )
ويظهر التشابه بينهما أيضا في أن الإدارة شأنها شأن القضاء تسهم في معظم
الأحيان بوظيفة الفصل في المنازعات من خلال نظرها في تظلمات الأفراد وفي
الحالتين يكون القرار الإداري الصادر من الإدارة والحكم القضائي الصادر من
السلطة القضائية أداة لتنفيذ القانون .
ومع هذا التقارب سعى الفقه والقضاء إلى إيجاد معيار للتمييز بين العمل
القضائي والعمل الإداري لخطورة النتائج المترتبة على الخلط بينهما ,
فالقرارات الإدارية يجوز بصورة عامة إلغاؤها وتعديلها وسحبها , أما الأحكام
القضائية فطرق الطعن فيها محددة تشريعياً على سبيل الحصر .
وبرزت في مجال التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال القضائية نظريات عدة يمكن حصرها في ضمن معيارين :
أولاً : المعيــار الشكلي .
يقوم هذا المعيار على أساس أن العمل الإداري هو ذلك العمل أو القرار الذي
يصدر عن فرد أو هيئة تابعة لجهة الإدارة بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل
أو القرار ذاته, بينما يعد العمل قضائياً إذا صدر عن جهة منحها القانون
ولاية القضاء وفقاً لإجراءات معينة , بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل .
وهذا المعيار منتقد من حيث أنه ليس جل الأعمال القضائية أحكاماً , بل أن
منها ما يعد أعمالاً إدارية بطبيعتها , ومن جانب آخر نجد أن المشرع كثيراً
ما يخول الجهات الإدارية سلطة الفصل في بعض المنازعات فيكون لهذه الجهات
اختصاص قضائي .
وعلى هذا الأساس فإن المعيار الشكلي لا يكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن الأحكام القضائية .
ثانياً : المعيار الموضوعي :
المعيار الموضوعي أو المادي يقوم على أساس النظر في موضوع وطبيعة العمل
نفسه دون اعتبار بالسلطة التي أصدرته , واعتمد هذا المعيار عناصر عدة يتم
من خلالها التوصل إلى طبيعة ومضمون العمل , فيكون العمل قضائياً , إذ تضمن
على " أدعاء بمخالفة القانون , وحل قانوني للمسألة المطروحة يصاغ في تقرير
, وقرار هو النتيجة الحتمية للتقرير الذي انتهي إليه القاضي " . ( )
في حين يكون العمل إدارياً إذا صدر من سلطة تتمتع باختصاص تقديري وليس من
سلطة تتمتع باختصاص مقيد كما في أحكام القضاء , وأن يصدر بشكل تلقائي وليس
بناءً على طلب من الأفراد وأن يكون الغرض من العمل إشباع حاجات عامة .
ولا شك أن هذه العناصر لا تكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن أعمال القضاء ,
لأن الكثير من قرارات الإدارة إنما يصدر عن اختصاص مقيد , وكثيراً منها لا
يصدر إلا بطلب من الأفراد .
والإدارة عندما تفصل في المنازعات باعتبارها جهة ذات اختصاص قضائي إنما
يقترب نشاطها من نشاط القضاء ويهدف إلى حماية النظام القانوني للدولة .
إزاء ذلك نشأ معيار مختلط يقوم على أساس المزج بين المعيارين الشكلي
والموضوعي إذ ينظر إلى طبيعة العمل من ناحية , والشكل الذي يظهر فيه العمل
والإجراءات المتبعة لصدوره من ناحية أخرى .
والمتتبع لأحكام مجلس الدولة في فرنسا يجد أنه يأخذ في الغالب بالمعيار
الشكلي لتمييز العمل القضائي عن القرار الإداري إلا أنه يتجه في بعض
الأحيان إلى المعيار الموضوعي فهو يمزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي لأن
العمل القضائي الذي لا يعد قراراً إدارياً ولا يخضع للطعن أمام القضاء
الإداري لا يشمل حتماً كل ما يصدر عن الجهة القضائية . ( )
,يبدو أن القضاء الإداري المصري قد واكب هذا الاتجاه فقد قضت محكمة القضاء
الإداري : " أن شراح القانون العام قد اختلفوا في وضع معايير التفرقة بين
القرار الإداري والقرار القضائي فمنهم من أخذ بالمعيار الشكلي , ويتضمن أن
القرار القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولاية القضاء , ومنهم
من أخذ بالمعيار الموضوعي وهو ينتهي إلى أن القرار القضائي هو الذي يصدر
في خصومة لبيان حكم القانون فيها و بينما رأى آخرون أن يؤخذ بالمعيارين
معاً – الشكلي والموضوعي – وقد اتجه القضاء في فرنسا ثم في مصر إلى هذا
الرأي الأخير وعلى أن الراجح هو الأخذ بالمعيارين معاً مع بعض الضوابط ,
وبيان ذلك أن القرار القضائي يفترق عن القرار الإداري في أن الأول يصدر من
هيئة قد استمدت ولاية القضاء من قانون محدد لاختصاصها مبين لإجراءاتها
وما إذا كان ما تصدره من أحكام نهائياً أو قابلاً للطعن مع بيان الهيئات
التي تفصل في الطعن في الحالة الثانية وأن يكون هذا القرار حاسماً في
خصومة , أي في نزاع بين طرفين مع بيان القواعد التي تطبق عليه ووجه الفصل
فيه".( )
المبحث الثالث
القرارات الإدارية والأعمال المادية
العمل المادي مجرد واقعة مادية غير مؤثرة في المراكز القانونية التي تتصل
بها, فإذا كان وجود الأثر القانوني هو معيار القرارات الإدارية , فإن غيبة
هذا الأثر تصبح هي معيار الأعمال المادية . ( )
والأعمال المادية أما أن تكون أفعالاً إرادية أرادتها الإدارة وتدخلت
لتحقيقها , مثل الإجراءات التنفيذية التي لا تسمو لمرتبة القرار الإداري
كهدم المنازل الآيلة للسقوط تنفيذاً لقرار الإدارة بالهدم .
وقد تكون أفعالاً غير إرادية تقع بطريق الخطأ والإهمال مثل حوادث السير التي يسببها أحد موظفي الإدارة .
والأعمال المادية لا تعتبر من قبيل الأعمال القانونية الإدارية لأنها لا
ترتب آثاراً قانونية مباشرة وتخرج هذه الأعمال عن نطاق الطعن بالإلغاء أمام
القضاء الإداري .
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأن : " محل العمل المادي الذي لا
يختص به القضاء الإداري يكون دائماً واقعة مادية أو أجراء مثبتاً لها دون
أن يقصد به تحقيق آثار قانونية إلا ما كان منها وليد إرادة المشرع مباشرة
لا أرادة جهة الإدارة " . ( )
وبهذا يتميز محل العمل القانوني عن العمل المادي الذي يكون دائماً نتيجة مادية واقعية " . ( )
وعلى الرغم من ذلك فإن عدم اعتبار العمل المادي قراراً إدارياً وأن كان
يمنع الطعن فيه بالإلغاء , فأنه يصح أن يكون محلاً لمنازعة إدارية تمس
مصالح الأفراد فيكون محلاً لطلب التعويض على أساس دعوى القضاء الكامل .
ومن المستقر في القضاء الإداري أن كل قرار لم يصدر عن أرادة الإدارة في
أحداث أثر قانوني سلبياً كان أن إيجابياً لا يعد قراراً أدارياً صالحاً
للطعن فيه بالإلغاء ولا يعدو أن يكون أجراءً تنفيذياً أو عملاً مادياً .
الفصل الثاني
مفهوم القرار الإداري وعناصره
في هذا الجزء من الدراسة نبحث في تعريف القرار الإداري والعناصر الأزمة لوجوده صحيحاً وسليماً من الناحية القانونية .
المبحث الأول
تعريف القرار الإداري
نال موضوع القرار الإداري عناية الكثير من الفقهاء , كما أسهم القضاء
الإداري في الكشف عن الكثير من ملامحه , ومع اختلاف تعريفات الفقه والقضاء
للقرار الإداري من حيث الألفاظ فأنه ينم عن مضمون واحد .
فقد عرفه العميد " دوجي " بأنه كل عمل إداري يصدر بقصد تعديل الأوضاع
القانونية كما هي قائمة وقت صدوره أو كما تكون في لحظة مستقبلة معينة .
وعرفه " بونار " بأنه كل عمل إداري يحدث تغييراً في الأوضاع القانونية القائمة.( )
وعرفه " رفيرو " بأنه العمل الذي بواسطته تقوم الإدارة باستعمال سلطتها في تعديل المراكز القانونية بإرادتها المنفردة . ( )
أما في الفقه العربي , فقد عرفه الدكتور " سامي جمال الدين " بأنه تعبير عن
الإرادة المنفردة لسلطة إدارية بقصد أحداث أثر قانوني معين . ( )
وجاء في تعريف الدكتور " ماجد راغب الحلو " بأن القرار الإداري هو إفصاح عن
إرادة منفردة يصدر عن سلطة إدارية ويرتب آثاراً قانونية . ( )
أما القضاء الإداري المصري فقد استقر على تعريفه أنه أفصاح الإدارة عن
إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضي القوانين واللوائح بقصد أحداث أثر
قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة . ( )
ويتضح من هذا التعريف أن هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي :
- أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية .
- أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة .
- ترتيب القرار لأثار قانونية .
أولاً : أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية :
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل
حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها ,
والعبرة في تحديد ما إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار وطنية أم لا ليس
بجنسية أعضائها , وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار .
ولنكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة
الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك , وهو ما يميز القرار
الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية التي بيناها وفقاً للمعيار الشكلي ,
إذ يتم النظر إلى صفة الجهة التي قامت بالعمل والإجراءات المتبعة في
إصداره .
ووفقاً لهذا الشرط لا يمكن اعتبار القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص
قرارات إدارية إلا في حالتين اعترف فيهما القضاء الإداري بالصفة الإدارية
للقرارات الصادرة من أشخاص القانون الخاص , تتعلق الحالة الأولى
بالقرارات الصادرة عن الموظف الفعلي أو الظاهر , وهو شخص تدخل خلافاً
للقانون في ممارسة اختصاصات وظيفة عامة , متخذاً مظهر الموظف القانوني
المختص . ( ) أما في الحالة الثانية فتتعلق بالقرارات الصادرة من ملتزم
المرافق العامة . ( )
ثانياً : صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة .
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها , وهو ما يميز القرار الإداري عن
العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين
لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص .
والقول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب
صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد , فقد يشترك في
تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع
يعملون لحساب جهة إدارية واحدة . ( )
ثالثاً : ترتيب القرار لآثار قانونية .
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل
أو إلغاء مركز قانوني معين , فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا
يعد قراراً إدارياً .
لهذا نجد القضاء الإداري الفرنسي يشترط في القرار المطعون فيه بالإلغاء أن
ينتج ضرراً برافع الدعوى . ( ) ومن ثم تكون له مصلحة في إلغاء هذا القرار
ويتطلب توفر عنصرين أساسين للقول بوجود مصلحة للطاعن هما :
1. وجوب تولد آثار قانونية عن القرار المطعون فيه , ومن ثم يجب استبعاد
القرارات التي لا يحدث آثاراً قانونية من نطاق دعوى الإلغاء . ( )
2. أن يحمل القرار قابلية أحداث آثار قانونية بنفسه . ( )
وبناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية والتقارير والمذكرات التحضرية التي
تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية لعدم تحقق هذين العنصرين , ونجد
أنه من المناسب أن نبين مضمون بعض هذه الأعمال :
أ- الأعمال التمهيدية والتحضرية : وهي مجموعة من القرارات التي تتخذها
الإدارة وتتضمن رغبات واستشارات وتحقيقات تمهيدا لإصدار قرار إداري وهذه
الأعمال لا تولد آثاراً قانونية ولا يجوز الطعن فيها بالإلغاء .
ب- المنشورات والأوامر المصلحية : وهي الأعمال التي تتضمن تعليمات وتوجيهات
صادرة من رئيس الدائرة إلى مرؤوسيه لتفسير القوانين أو اللوائح وكيفية
تطبيقها وتنفيذها , ما دامت هذه المنشورات لم تتعد هذا المضمون أما إذا
تضمنت أحداث آثار في مراكز الأفراد فأنها تصبح قرارات إدارية يقبل الطعن
فيها بالإلغاء .
ج- الأعمال اللاحقة لصدور القرار : الأصل أن هذه الأعمال لا ترتب آثراً
قانونياً لأنها أما أن تكون بمثابة إجراءات تنفيذية لقرارات سابقة فلا يقبل
الطعن فيها بالإلغاء لأنها تنصب على تسهيل تنفيذ القرار الإداري السابق ,
ولا تشير إلى قرارات مستقبلة فلا يكون الأثر المترتب عليها حالاً .
د- الإجراءات الداخلية : وتشمل إجراءات التنظيم للمرافق العامة التي تضمن
حسن سيرها بانتظام واطراد , والإجراءات التي يتخذها الرؤساء الإداريون في
مواجهة موظفيهم المتعلقة بتقسيم العمل في المرفق وتبصير الموظفين بالطريق
الأمثل لممارسة وظائفهم .
وهذا النوع من الإجراءات لا يدخل من ضمن القرارات الإدارية التي يجوز الطعن
بها أمام دوائر القضاء الإداري لأنها لا تؤثر في المراكز القانونية
للأفراد .
المبحث الثاني
عناصر القرار الإداري
يقوم القرار الإداري على عناصر أساسية إذا لم يستوفها يكون معيباً أو غير
مشروع , وقد درج الفقه والقضاء على أنه يلزم أن يتوافر للقرار الإداري
باعتباره عملاً قانونياً خمس عناصر لينتج آثاره ويكون صحيحاً هي : الاختصاص
, الشكل , السبب , المحل , الغاية .
أولاً : الاختصـاص .
أن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية من الأفكار الأساسية التي يقوم
عليها نظام القانون العام ويراعى فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم
تقسيم العمل حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه , كما
أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنه يسهل توجه الأفراد إلى
أقسام الإدارة المختلفة ويساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة
الإدارة لوظيفتها .
ويقصد بالاختصاص القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة الأعمال
والتصرفات التي يكون للإدارة أن تمارسها قانوناً وعلى وجه يعتد به . ( )
والقاعدة أن يتم تحديد اختصاصات كل عضو إداري بموجب القوانين والأنظمة ولا
يجوز تجاوز هذه الاختصاصات و إلا اعتبر القرار الصادر من هذا العضو باطلاً
.
وقواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام , لذلك لا يجوز لصاحب الاختصاص أن
يتفق مع الأفراد على تعديل تلك القواعد , و إلا فإن القرار الصادر مخالفاً
لهذه القواعد يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص , ويكون لصاحب الشأن أن يطعن
بهذا العيب أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء ولا يسقط الدفع بهذا العيب
بالدخول في موضوع الدعوى, ويجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحلها , وعلى
القاضي أن يحكم بعدم الاختصاص تلقائياً لو لم يثيره طالب الإلغاء .
وقد شبه بعض الفقهاء قواعد الاختصاص في القانون العام بقواعد الأهلية في
القانون الخاص لأن كلاهما يقوم في الأساس على القدرة على مباشرة التصرف
القانوني .
ويتضح الاختلاف من حيث المقصود في كل منها , فالهدف من قواعد الاختصاص
حماية المصلحة العامة أما قواعد الأهلية فالهدف منها هو حماية الشخص ذاته ,
وأن الأهلية في القانون الخاص هي القاعدة , أما عدم الأهلية فاستثناء على
هذه القاعدة , ويختلف الاختصاص عن ذلك في أنه يستند دائماً إلى القانون
الذي يبين حدود أمكان مباشرة العمل القانوني , وأن سبب عدم الأهلية يتركز
في عدم كفاية النضوج العقلي للشخص بينما يكون الدافع في تحديد الاختصاص هو
العمل على التخصيص وتقسم العمل بين أعضاء السلطة الإدارية . ( )
والقواعد القانونية المتعلقة بالاختصاص يمكن حصرها بالعناصر الآتية :
1. قواعد الاختصاص من حيث الأشخاص : يشترط لصحة القرار الإداري أن يصدر من
الشخص أو الهيئة المنوط بها إصداره , فلا يملك هذا الشخص أو تلك الجهة نقل
اختصاصها للغير إلا في الأحوال التي يجيزها القانون بناءً على تفويض أو
حل قانوني صحيح و إلا كان القرار الصادر مشوباً بعيب عدم الاختصاص .
2. قواعد الاختصاص من حيث الموضوع : يحدد القانون اختصاصات كل موظف أو جهة
إدارية بموضوعات معينة فإذا تجاوز هذا الموظف أو الإدارة اختصاصاته تلك
فتعدى على اختصاصات جهة أخرى , تحقق عيب عدم الاختصاص , ويكون هذا الاعتداء
أما من جهة إدارية على اختصاصات جهة إدارية أخرى موازية أو مساوية لها ,
أو من جهة إدارية دنياً على اختصاصات جهة إدارية عليا أو من جهة أخرى
إدارية عليا على اختصاصات جهة أدنى منها, أو اعتداء السلطة المركزية على
اختصاصات الهيئات اللامركزية .
3. قواعد الاختصاص حيث المكان : يتم من خلالها تحديد النطاق المكاني الذي
يجوز لرجل الإدارة أن يباشر اختصاصه فيه , فإذا تجاوز هذا النطاق , فإن
قراراته كون مشوبة بعيب عدم الاختصاص , وهذا العيب قليل الحدوث في العمل
لأن المشرع كثيراً ما يحدد وبدقة النطاق المكاني الذي يجوز لرجل الإدارة أن
يمارس اختصاصه فيه وغالباً ما يتقيد الأخير بحدود هذا الاختصاص ولا
يتعداه .
4. قواعد الاختصاص من حيث الزمان : وذلك بأن يتم تحديد فترة زمنية معينة
يكون لرجل الإدارة أن يباشر اختصاصه فيها , فإذا أصدر قرار خارج النطاق
الزمني المقرر لممارسته , كما لو أصدر رجل الإدارة قراراً إدارياً قبل صدور
قرار تعيينه أو بعد قبول استقالته أو فصله من الوظيفة أو إحالته على
التقاعد .
كذلك إذا حدد المشرع مدة معينة لممارسته اختصاص معين أو لإصدار قرار محدد
فإن القرار الإداري الصادر بعد انتهاء المدة الزمنية المعينة لإصداره يعد
باطلاً ومعيباً بعدم الاختصاص إذا اشترط المشرع ذلك , فإن لم يفعل فقد درج
القضاء الإداري في فرنسا ومصر على عدم ترتيب البطلان . ( )
ومخالفة قواعد الاختصاص أما أن تكون في صورة إيجابية أو في صورة سلبية ,
فتكون المخالفة إيجابية عندما يصدر الموظف أو الجهة الإدارية قراراً من
اختصاص موظف آخر أو جهة إدارية أخرى .
وتكون المخالفة سلبية عندما يرفض الموظف أو الإدارة إصدار قرار معين ظناً منهما بأن القرار غير داخل في ضمن اختصاصاتهما .
ثانيـاً : الشكــل .
الشكل هو المظهر الخارجي أو الإجراءات التي تعبر بها الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد .
والأصل أن الإدارة غير ملزمة بأن تعبر عن إرادتها بشكل معين إلا إذا نص
القانون على خلاف ذلك , وفي هذه الحالة يجب أن يتخذ القرار الشكلية المقررة
لصدوره, كأن يشترط القانون ضرورة أن يكون القرار مكتوباً , أو استشارة
جهة متخصصة قبل إصداره أو تسبيبه إلى غير ذلك من أشكال أخرى .
ويحدد القانون بمعناه العام قواعد الشكل والإجراءات بما ينص عليه الدستور
أو التشريع العادي أو الأنظمة و كذلك تؤدي المبادئ القانونية العامة دوراً
مهماً في ابتداع قواعد شكلية غير منصوص عليها في القانون والأنظمة
بالاستناد إلى روح التشريع وما يمليه العقل وحسن تقدير الأمور . ( )
وعندما يشترط القانون إتباع شكل أو إجراء معين إنما يسعى من جهة إلى تحقيق
مصلحة الأفراد وعدم فسح المجال للإدارة لإصدارها قرارات مجحفة بحقوقهم
بصورة ارتجالية, ومن جهة أخرى يعمل على تحقيق المصلحة العامة في ألزام
الإدارة بإتباع الأصول والتروي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات خاطئة .
وقد درج القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل
والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا
كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساس
بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون النوع الثاني .
1. الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري :
لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار
الإداري إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات
تتعلق بشكل القرار ذاته , وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره
, والأشكال المقررة لحماية مصالح المخاطبين بالقرار أو التي تؤثر في
الضمانات المقرر للأفراد في مواجهة الإدارة . ( )
2. الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري :
في المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كل مخالفة للشكليات
دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة فقد أطرد القضاء على التمييز بين
الأشكال الجوهرية والأشكال الثانوية أو غير الجوهرية ورتب البطلان على
الأولى دون الثانية .
والتمييز بين أشكال الجوهرية والأشكال غير الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في
ضوء النصوص القانونية ورأي المحكمة , وبصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً
إذا وصفه القانون صراحة بذلك , أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته , أما
إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم , وبعكس
ذلك فإنه يعد أجراء ثانوياُ ومن ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في
مشروعية ذلك القرار . ( )
وقد استقر القضاء الإداري على أن الإجراءات الثانوية والتي لا يترتب على
مخالفتها بطلان القرار الإداري على نوعين : النوع الأول يتمثل في الأشكال
والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة , أما النوع الثاني فيتعلق بالأشكال
والإجراءات الثانوية التي لا تؤثر في مضمون القرار كإغفال الإدارة ذكر
النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره . ( )
ثالثاً : السبــب .
سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار
وتدفع الإدارة لإصداره , فالسبب عنصر خارجي موضوعي يبرر للإدارة التدخل
بإصدار القرار وليس عنصراً نفسياً داخلياً لدى من إصدار القرار .
فالأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها استناداً إلى قرينة المشروعية
التي تفترض أن قرارات الإدارة تصدر بناءً على سبب مشروع وعلى صاحب الشأن
إثبات العكس, أما إذا أفصحت الإدارة عن هذا السبب من تلقاء ذاتها فإنه يجب
أن يكون صحيحاً وحقيقياً.( ) ما لم تكن الإدارة ملزمة بذكر سبب القرار
قانوناً .
وقد استقر القضاء على ضرورة توفر شرطين في سبب القرار الإداري :
1. أن يكون سبب القرار قائماً وموجوداً حتى تاريخ اتخاذ القرار , ويتفرع من
هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة
فعلاً وإلا كان القرار الإداري معيباً في سببه , والثاني يجب أن يستمر
وجودها حتى صدور القرار فإذا وجدت الظروف الموضوعية لإصدار القرار إلا أنها
زالت قبل إصداره فإن القرار يكون معيباً في سببه وصدر في هذه الحالة ,
كذلك لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجوداً قبل إصدار القرار إلا أنه تحقق
بعد ذلك , وأن جاز يكون مبرراً لصدور قرار جديد . ( )
2. أن يكون السبب مشروعاً , وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة
للإدارة , عندما يحدد المشرع أسباباً معينة يجب أن تستند إليها الإدارة في
لإصدار بعض قراراتها , فإذا استندت الإدارة في إصدار قرارها إلى أسباب
غير تلك التي حددها المشرع فإن قراراها يكون مستحقاً للإلغاء لعدم مشروعية
سببه.( ) بل أن القضاء الإداري درج على أنه حتى في مجال السلطة التقديرية
لا يكفي أن يكون السبب موجوداً بل يجب أن يكون صحيحاً ومبرراً لإصدار
القرار الإداري . ( )
وقد تطورت رقابة القضاء على ركن السبب في القرار الإداري من الرقابة على
الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني لها إلى أن وصلت إلى مجال
الملائمة أو التناسب :
1. الرقابة على وجود الوقائع : وهي أول درجات الرقابة القضائية على ركن
السبب في القرار الإداري , فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم على
سبب يبرره فأنه يكون جديراً بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها ,
أما إذا صدر القرار بالاستناد إلى سبب تبين أنه غير صحيح أو وهمي وظهر من
أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى صحيحة فأنه يمكن حمل القرار على تلك
الأسباب . ( )
2. الرقابة على تكييف الوقائع : وهنا تمتد الرقابة لتشمل الوصف القانوني
للوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين أن الإدارة
أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فأنه يحكم بإلغاء القرار الإداري
لوجود عيب في سببه , بمعنى أنه إذا تحقق القاضي من وجود الوقائع المادية
التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها يتنقل للبحث فيما إذا كانت تلك
الوقائع تؤدي منطقياً إلى القرار المتخذ .
3. الرقابة على ملائمة القرار للوقائع : الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء
الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناءً عليها ,
لأن تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل ضمن نطاق السلطة التقديرية
للإدارة .
إلا أن القضاء الإداري في فرنسا ومصر أخذ يراقب الملائمة بين السبب والقرار
المبني عليه لا سيما إذا كانت الملائمة شرطاً من شروط المشروعية وخاصة
فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بالحريات العامة . ثم امتدت الرقابة على
الملائمة لتشمل ميدان القرارات التأديبية .
رابعاً : المحـل .
يقصد بمحل القرار الإداري الأثر الحال والمباشر الذي يحدثه القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه .
ويجب أن يكون محل القرار ممكناً وجائزاً من الناحية القانونية , فإذا كان
القرار معيباً في فحواه أو مضمونه بأن كان الأثر القانوني المترتب على
القرار غير جائز أو مخالف للقانون أياً كان مصدره دستورياً أو تشريعياً أو
لائحياً أو عرفاً أو مبادئ عامة للقانون , ففي هذه الحالات يكون غير مشروع
ويكون القرار بالتالي باطلاً .
ومخالفة القرار للقواعد القانونية تتخذ صوراً متعددة وهي :
1. المخالفة المباشرة للقاعدة القانوينة : وتتحقق هذه عندما تتجاهل الإدارة
القاعدة القانونية وتتصرف كأنها غير موجودة , وقد تكون هذه المخالفة
عمدية , كما قد تكون غير عمدية نتيجة عدم علم الإدارة بوجود القاعد
القانونية بسبب تعاقب التشريعات وعدم مواكبة الإدارة للنافذ منها . ( )
2. الخطأ في تفسير القاعدة القانونية : وتتحقق هذه الحالة عندما تخطأ
الإدارة في تفسير القاعدة القانونية فتعطي معنى غير المعنى الذي قصده
المشرع .
والخطأ في تفسير القاعدة القانونية أما أن يكون غير متعمد من جانب الإدارة
فيقع بسبب غموض القاعدة القانونية وعدم وضوحها , واحتمال تأويلها إلى معان
عدة, وقد يكون متعمداً حين تكون القاعدة القانونية المدعى بمخالفتها من
الوضوح بحيث لا تحتمل الخطأ في التفسير , ولكن الإدارة تتعمد التفسير
الخاطيء فيختلط عيب المحل في هذه الحالة بعيب الغاية .
3. الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية : ويحصل هذا الخطأ في حالة مباشرة
الإدارة للسلطة التي منحها القانون إياها , بالنسبة لغير الحالات التي نص
عليها القانون أو دون أن تتوفر الشروط التي حددها القانون لمباشرتها . ( )
ويتخذ الخطأ في تطبيق القانون صورتين الأولى تتمثل في حالة صدور القرار دون
الاستناد إلى وقائع مادية تؤيده , ومثال ذلك أن يصدر الرئيس الإداري
جزاءاً تأديبياً بمعاقبة أحد الموظفين دون أن يرتكب خطأ يجيز هذا الجزاء .
أما الثانية فتتمثل في حالة عدم تبرير الوقائع للقرار الإداري , وهنا توجد
وقائع معينة إلا أنها لا تكفي أو لم تستوف الشروط القانونية اللازمة
لاتخاذ هذا القرار , كأن تكيف الإدارة جريمة معينة بأنها مرتكبة ضد
الإدارة العامة فتصدر قراراً بإنهاء خدمات الموظف ثم يتبين عدم صحة هذا
التكييف . ( )
خامسـاً : الغاية .
يقصد بالغاية من القرار الإداري الهدف الذي يسعى هذا القرار إلى تحقيقه ,
والغاية عنصر نفسي داخلي لدى مصدر القرار , فالهدف من إصدار قرار بتعيين
موظف هو لتحقيق استمرار سير العمل في المرفق الذي تم تعيينه فيه , والهدف
من لإصدار قرارات الضبط الإداري هو حماية النظام العام بعناصره الثلاث
السكينة العامة , والصحة العامة , و الأمن العام .
وغاية القرارات الإدارية كافة تتمثل في تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ,
فإذا انحرفت الإدارة في استعمال سلطتها هذه بإصدار قرار لتحقيق أهداف
تتعارض مع المصلحة العامة فإن قراراها يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال
السلطة أو الانحراف بها , ويعد هذا العيب من أسباب الطعن بالإلغاء التي ترد
على القرار الإداري .
والأصل أن كل قرار إداري يستهدف تحقيق المصلحة العامة , ويفترض فيه ذلك,
وعلى من يدعي خلاف ذلك الإثبات وعيب الانحراف بالسلطة أو الغاية عيب قصدي
أو عمدي يتعلق بنية مصدر القرار الذي يجب أن يكون سيء النية يعلم أنه يسعى
إلى غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو غير تلك التي حددها القانون .
ولأن هذا العيب يتصل بالبواعث النفسية الخفية لجهة الإدارة , وإثباته يتطلب
أن يبحث القضاء في وجود هذه البواعث وهو أمر بعيد المنال , فقد أضفى
القضاء على هذا العيب الصفة الاحتياطية فلا يبحث في وجوده طالما أن هناك
عيب آخر شاب القرار الإداري, مثل عدم الاختصاص أو عيب الشكل أو مخالفة
القانون .
ويمكن تحديد الغاية من القرار الإداري وفقاً لثلاثة اعتبارات :
1. استهداف المصلحة العامة : السلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في
ذاتها إنما هي وسيلة لتحقيق الغاية المتمثلة بالمصلحة العامة , فإذا حادت
الإدارة عن هذا الهدف لتحقيق مصالح شخصية لا تمت للمصلحة العامة بصلة
كمحاباة الغير أو تحقيق غرض سياسي أو استخدام السلطة بقصد الانتقام فإن
قراراتها تكون معيبة وقابلة للإلغاء . ( )
2. احترم قاعدة تخصيص الأهداف : على الرغم من أن الإدارة تستهدف تحقيق
المصلحة العامة دائماً فقد يحدد المشرع للإدارة هدفاً خاصاً يجب أن تسعى
قراراها لتحقيقه وإذا ما خالفت هذا الهدف فإن قراراتها يكون معيباً بإساءة
استعمال السلطة ولو تذرعت الإدارة بأنها قد قصدت تحقيق المصلحة العامة ,
وهذا ما يعرف بمبدأ تخصيص الأهداف ومثال ذلك قرارات الضبط الإداري التي حدد
لها القانون أهدافاً ثلاثة لا يجوز للإدارة مخالفتها وهي المحافظة على
الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة , فإذا خالفت الإدارة هذه
الأهداف في قرارات الضبط الإداري فإن قرارها هذا يكون معيباً وجديراً
بالإلغاء . ( )
3. احترام الإجراءات المقررة : يتعين على الإدارة احترام الإجراءات التي
بينها القانون لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه , فإذا انحرفت الإدارة في
الإجراءات الإدارية اللازمة لإصدار قرار معين بإجراءات أخرى لتحقيق الهدف
الذي تسعي إليه فإن تصرفها هذا يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة في
صورة الانحراف بالإجراءات .
وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب أما لأنها تعتقد أن الإجراء الذي اتبعته لا
يؤدي لتحقيق أهدافها أو أنها سعت إلى التهرب من الإجراءات المطولة أو
الشكليات المعقدة , ومثال ذلك أن تلجأ الإدارة إلى الاستيلاء المؤقت على
العقارات بدلاً من سيرها في طريق إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة
تفادياً لطول إجراءات نزع الملكية , أو أن تقرر الإدارة ندب موظف وهي
تستهدف في الحقيقة معاقبته فتلجأ إلى قرار الندب لتجريده من ضمانات التأديب
الفصل الثالث
تصنيف القرارات الإدارية
تنقسم القرارات الإدارية إلى أنواع متعددة حسب الزاوية التي ينظر منها إلى القرار أو حسب الأساس الذي يقوم عليه التقسيم . ( )
فمن حيث التكوين توجد قرارات بسيطة وأخرى مركبة ومن حيث أثرها تقسم إلى
قرارات منشئة وقرارات كاشفة ومن زاوية رقابة القضاء توجد قرارات خاضعة
لرقابة القضاء وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وفي حيث نفاذها في مواجهة
الأفراد تقسم إلى قرارات نافذة في حق الأفراد وأخرى غير نافذة في حقهم
وأخيراً من حيث مدى القرارات وعموميتها توجد قرارات فردية وأخرى تنظيمية
المبحث الأول
القرارات الإدارية من حيث التكوين
(قرارات بسيطة وقرارات مركبة )
تنقسم القرارات الإدارية من هذه الجهة إلى قسمين الأول القرارات البسيطة أو
المستقلة وهي تلك القرارات التي تتميز بكيان مستقل وتستند إلي عملية
قانونية واحده غير مرتبطة بعمل قانوني أخر كالقرار الصادر بتعين موظف أو
ترقيته أو نقلة وهي الصورة الأكثر شيوعاً في القرارات الإداري .